ما هو الحمل العنقودي ؟
في الحمل الطبيعي، يتكون الجنين من تخصيب بويضة واحدة من الأم، بحيوان منوي واحد من الأب. يحتوي كل منهما على نصف المادة الوراثية، حتى يتكون لدى الجنين نسخة كاملة من المادة الوراثية بعد ذلك، نصفها من الأب، ونصفها الآخر من الأم. يبدأ بعدها الجنين بالانقسام وتكوين الأنسجة. أما في حالة الحمل العنقودي، فهناك اختلال بعدد الكروموسومات، وطريقة تكوينها منذ الاندماج الأول بين البويضة والحيوان المنوي.
يعتبر الحمل العنقودي واحداً من الحالات المرضية الناتجة عن اضطراب في تكوين الجنين. يوجد نوعان من الحمل العنقودي، أحدهما يطلق عليه حمل عنقودي كامل، والآخر حمل عنقودي جزئي. للأسف قد يصاحب هذا الحمل العنقودي بعض التغيرات غير الحميدة للأنسجة.
لا تعتبر هذه الحالات شائعة الحدوث. تصل معدل الحدوث إلى حالة واحدة من كل 700 حالة حمل.
– الحمل العنقودي الكامل: ويحدث هذا عند تخصيب حيوان منوي سليم من الأب، لبويضة “فارغة” من الأم. يقصد بهذا أن البويضة لا تحتوي على أية مادة وراثية. ينقسم هذا الحيوان المنوي لاحقاً ليعطي العدد الكامل من الكروموسومات، ولكن بالطبع بدون أية مادة وراثية من الأم. قد تحدث هذه الحالة أيضاً في حالة تخصيب اثنين من الحيوانات المنوية لبويضة واحدة فارغة أيضاً.
– الحمل العنقودي الجزئي: ويحدث ذلك في حالة تخصيب اثنين من الحيوانات المنوية من الأب، لبويضة سليمة من الأم. بالطبع يحتوي الجنين الناشئ على ثلاثة نسخ من المادة الوراثية أو أكثر في حالة الانقسام. قد يظهر الحمل العنقودي الجزئي على أشعة السونار، ولكن لا يمكنه بالطبع في أي حال من الأحوال أن يتطور إلى جنين طبيعي.
غالباً ما تحدث هذه الحالات إذا كان الحمل في سن المراهقة، أو فوق سن الأربعين. وقد تنتشر بصورة أكبر بين الأمهات من العرق الأسيوي.
ما العلامات التي ترجح تكون الحمل العنقودي ؟
في حالة الإصابة بالحمل العنقودي، قد تعاني الأم من النزيف المهبلي الغزير، أو الإصابة بدرجات شديدة من غثيان الصباح. قد يصبح حجم الرحم أكبر من الطبيعي بالنسبة لهذه الفترة المبكرة من الحمل. في بعض الأحيان قد تصاب الأم بارتفاع في ضغط الدم، أو زيادة نشاط الغدة الدرقية. قد تتكون أيضاً أكياس على المبيض مسببة آلاماً بالبطن.
إذا ظهرت أية شكوك لدى الطبيب حول تكون الحمل العنقودي، سيتم طلب أشعة فوق صوتية “سونار” من الأم. في حالة الحمل العنقودي الكامل سيظهر الرحم فارغاً من أية أجنة، أو أنسجة متكونة، ويظهر كيس الحمل فارغاً. قد تساعد هذه الأشعة أيضاً على تشخيص الحمل العنقودي الجزئي، ولكن ليس بنفس درجة الدقة.
في حالات الحمل العنقودي أيضاً يرتفع مستوى هرمون الحمل عن المستويات الطبيعية. وقد يكتشف الطبيب الحمل العنقودي بعد حدوث إجهاض، أو أية حالات مشابهه له.
هل يمكن للحمل العنقودي أن يتم فترة الحمل ويتكون جنين كامل ؟
للأسف لا توجد أي احتمالية لهذا. لا يحتوي الحمل العنقودي الكامل على أية جنين داخل كيس الحمل. والحمل العنقودي الجزئي لا يمكن أن يؤدي إلى أية تطور طبيعي للجنين، نتيجة الاضطراب الشديد في المادة الوراثية. قد تظهر صورة لجنين على الأشعة، ولكن لا يمكن أن يستمر هذا الحمل أو ينتج عنه مولود بشكل طبيعي.
ما الإجراءات المتبعة في حالة الشك في الإصابة بالحمل العنقودي ؟
الإجراء المفضل لحالات الحمل العنقودي الكامل هو الجراحة. يتم ذلك لاسئصال كافة الأنسجة غير الطبيعية من داخل الرحم. قد يسبق هذا التدخل الجراحي بعض الأدوية لتوسيع عنق الرحم. تتم هذه الجراحة تحت تأثير التخدير الكلي. أثناء العملية، يتم توسيع عنق الرحم قليلاً حتى يتمكن الطبيب من إدخال “شفاط” إلى داخل الرحم، لاستخراج كافة الأنسجة الموجودة بالداخل.
لا تزال الجراحة هي الاختيار الأمثل للحمل العنقودي الجزئي أيضاً. بالرغم من ذلك قد يكون حجم الجنين المتكون كبيراً، مما يعيق تنفيذ التدخل الجراحي ذاته. في هذه الحالة يتم وصف أدوية لبدء انقباضات الرحم، وحدوث إجهاض لطرد كافة المحتويات من الرحم.
في حالات نادرة، يمكن للحمل العنقودي أن يتحول إلى توأم. للأسف لا تنتهي هذه الحالات بشكل جيد، حيث ينتهي حمل واحد فقط من كل أربعة بطفل سليم. عادة ما يكون هذا الحمل معرضاً للإجهاض، أو الولادة المبكرة.
هل هناك ضرورة لوصف حقن “آر – إتش” ؟
إذا كانت الأم ذات فصيلة دم سالبة، يجب وصف حقن “آر – إتش” للتأكد من عدم تكوين الجسم لأية أجسام مضادة قد تؤذي الحمل في المرات القادمة.
ماذا بعد الخضوع للجراحة ؟
تعتبر الجراحة هي الوسيلة الوحيدة للوصول لتشخيص نهائي بخصوص الحمل العنقودي. بعد الجراحة، وإزالة كافة الأنسجة الموجودة بالرحم، يتم عمل تحليل لهذ االأنسجة. ويمكن في هذه الحالة تحديد ما إذا كان الحمل العنقودي كاملاً أم جزئياً.
في حالة تعرض الأم للإجهاض، ولم يسبق رؤية أي جنين على أشعة السونارمن قبل، فمن المفضل أن يتم عمل بعض التحاليل على النسيج الناتج من الإجهاض، لنفي احتمالية حدوث الحمل العنقودي.
لماذا يجب التأكد من الإصابة بالحمل العنقودي من عدمه ؟
في بعض الحالات، قد تتبقى بعض الخلايا الناتجة من الحمل العنقودي بعد إزالة الحمل. قد يؤدي هذا إلى حاجة الأم لمزيد من العلاج. هناك أيضاً خطورة من الأدوية التي تسبب لإجهاض. حيث أنها يمكن تسبب مرور بعض الخلايا إلى مجرى الدم.
من الهام التأكد من تشخيص الحمل العنقودي. إذا أن بعض الخلايا يمكنها أن تظل موجودة ولا تتم إزالتها، والبعض الآخر يمكن أن يتحول إلى بعض المضاعفات الأكثر خطورة التي سنناقشها لاحقاً.
للأسف تصل نسبة السيدات التي تحتاج إلى علاج إضافي إلى حوالي سيدة من كل 7 سيدات (15%). بعد الحمل العنقودي الكامل. ونسبة واحدة من كل 200 سيدة (0.5%) في حالة الحمل العنقودي الجزئي. في الوقت الحالي، لا توجد أية وسيلة لتوقع نتيجة الجراحة بشكل فوري بعد الانتهاء منها.
ما شكل المتابعة الطبية المطلوبة ؟
يجب متابعة الحالة على الأقل لمدة 6 شهور، تحت إشراف أحد أخصائيين أمراض النساء والتوليد ذوي الخبرة في هذه الحالات. أثناء زيارات المتابعة، سيتم قياس نسبة هرمون الحمل إما بالدم أو البول. في حالة انخفاض نسبة الهرمون مع مرور الوقت، فهذا يعني أن عدد الخلايا الغير طبيعية بالرحمم يتناقص، ولا يوجد داعي لأية علاجات إضافية.
يختلف طول مدة المتابعة المطلوبة تبعاً لظروف كل حالة. في حالة عودة مستوى هرمون الحمل إلى مستوياته الطبيعية في ظرف 56 يوم بعد الانتهاء من العملية، فغالباً ما تكون فترة 6 أشهر كافية للمتابعة. أما في حالة استغراق الأمر لمدة أكثر من ذلك، فتكون مدة المتابعة 6 أشهر من تاريخ عودة مستوى الهرمون للمستوى الطبيعي، وليس من توقيت العملية كما في الحالة السابقة.
بسبب هذا النظام لتسجيل الحالات مع الأخصائيين، والالتزام بمدة المتابعة، يمكن أن تصل معدلات الشفاء تماماً لهذه الحالات إلى نسبة (98-100%)، مع تطور حالات نادرة فقط لأية مضاعفات أخرى.
ما هي وسيلة منع الحمل المتبعة أثناء فترة المتابعة ؟
ينصح باستخدام وسائل منع حمل مادية ولا تعتمد على الهرمونات. كالواقي الذكري، أو الحاجز المهبلي. يفضل الاعتماد على هذه الوسائل حتى يعود هرمون الحمل إلى مستوياته الطبيعية.
بمجرد أن يعود هرمون الحمل إلى مستوياته الطبيعية، يمكن البدء مرة أخرى في استخدام الوسائل الهرمونية. يشمل ذلك أقراص أو حقن البروجيستيرون، أو الأقراص المركبة. لا يجب الاعتماد على الجهاز الرحمي “اللولب” حتى يتم التأكد من عودة هرمون الحمل للمستوى الطبيعي، إذا أنه يمكن أن يتسبب في عمل إصابة للرحم أثناء التركيب، في حالة وجود حمل عنقودي.
ما هي المضاعفات المحتملة ؟
يمكن اعتبار أن الحمل العنقوي من الحالات التي تعرض صاحبها إلى الأورام السرطانية. تعتبر هذه الحالات نادرة الحدوث. وتصل معدلات الشفاء من هذه الأورام إلى 99%، إذا كان السبب ورائها هو الحمل العنقودي.
يمكن أن تصاب الأم بهذه الأورام في حالة بقاء بعض خلايا الحمل العنقودي بالرحم لمدة طويلة. يمكن تشخيص هذا بشكل أساسي عن طريق مستوى هرمون الحمل، وعدم القدرة على رجوع الهرمون للمستوى الطبيعي.
يمكن أن تصاب الأم أيضاً بهذه الأورام بعد حدوث إجهاض، أو حتى ولادة طفل حي، ولكن في حالات شديدة الندرة. حيث يصل معدل الحدوث إلى حالة واحدة من كل 50.000 حالة.
في حالة استمرار أي نزيف مهبلي لمدة أطول من المعتاد بعد أي حمل، يجب الاطمئنان إما بعمل اختبار لمستوى هرمون الحمل، أو التأكد عن طريق أشعة السونار.
ماذا يحدث عند تطور المرض لهذه الأورام السرطانية ؟
هنا تظهر الحاجة إلى المزيد من الخطط العلاجية.
إذا كان مستوى هرمون الحمل أقل من 5000، فغالباً ما يتطلب الأمر التدخل الجراحي مرة أخرى لإفراغ الرحم من محتوياته. بالرغم من ذلك، قد تظهر الحاجة أيضاً إلى الخضوع لبعض العلاج بالكيميائي. حوالي (15%) من حالات الحمل العنقودي الكامل، ونسبة (0.5%) من حالات الحمل العنقودي الجزئي ستحتاج إلى علاج كيميائي.
تحديد نوع الدواء المتبع، ومدة العلاج يعتمد على الظروف الشخصية لكل حالة. ولكن الدواء الأكثر استعمالاً في هذه الحالات هو عقار “ميثوتريكسات“. هذا العقار هو واحد من العلاجات الكيميائية ذات الأعراض الجانبية الأقل. لا يسبب هذا العقار تساقط الشعر، أو الإحساس بالإعياء الشديد. تشمل الأعراض الجانبية له بعض الآلام بالحلق، العينين، الصدر أو البطن.
يستمر العلاج حتى مدة 6 أسابيع، بعد رجوع هرمون الحمل إلى مستوياته الطبيعية.
للأسف، وفي بعض الحالات النادرة، قد يتطلب نوع الورم السرطاني المكتون إجراء عملية جراحية لاستئصال الرحم ككل.
هل هناك أية مضاعفات على المدى الزمني البعيد ؟
في حالة الخضوع للعلاج الكيميائي، غالباً ما ترجع الدورة الشهرية للأم بعد شهرين إلى 6 أشهر من نهاية العلاج الكيميائي. لا تتأثر القدرة الإنجابية بذلك. بالرغم من احتمالية تقدم سن اليأس عن الطبيعي بمقدار سنة إلى 3 سنوات.
أما في حالة الاعتماد على أكثر من نوع من الأدوية أثناء العلاج الكيميائي، فهناك احتمالية للإصابة ببعض الأنواع الأخرى من الأورام السرطانية في فترة لاحقة من عمر الأم. لا يمثل هذا خطورة إذا كانت مدة العلاج تقل عن 6 أشهر.
متى يمكن محاولة الحمل مرة أخرى ؟
من الهام الإشارة إلى أن الإصابة بالحمل العنقودي لا تؤثر على القدرة الإنجابية. ولكن لا يجب محاولة الحمل مرة أخرى قبل الانتهاء من فترة المتابعة المطلوبة. غالباً ما تكون هذه المدة 6 أشهر.
في حالة تطور المرض إلى أي نوع من الأورام السرطانية يجب تأخير أي محاولة للحمل حتى مرور 12 شهر على انتهاء العلاج الكيميائي. للأسف نسبة (3%) من الحالات قد تتعرض إلى عودة الورم السرطاني مرة أخرى. يتم اكتشاف هذا عن طريق متابعة مستوى هرمون الحمل في السنة الأولى من المتابعة.
هل يمكن الإصابة بالحمل العنقودي مرة ثانية ؟
احتمالية الإصابة بالحمل العنقودي مرة ثانية تعتبر ضئيلة، بنسبة حالة واحدة من كل 80 حالة. بعبارة أخرى، لكل سيدة تعرضت للحمل العنقودي، هناك احتمالية 98% ألا يكون الحمل القادم حملاً عنقودياً.
أما الأورام السرطانية المرتبطة بالحمل العنقودي، يمكن للأسف أن تحدث لدى الأمهات بعد حمل طبيعي. لذا يجب التواصل والمتابعة مع الطبيب المختص لمدة 6-8 أسابيع بعد أي حمل في المستقبل. بغض النظر عن مصير الحمل ذاته، يجب متابعة مستوى هرمون الحمل إما عن طريق تحليل الدم أو البول.